في حبّ الفن…

يقام في المدينة التي أقطن بها مهرجان سنوي لموسيقى الجاز ( jazz و ليس gaz ). معرفتي بهذا اللون الموسيقي حديثة، لكن اعجابي به كبير لأني أجد كلّ مقطوعة سمِعتها مميزة ، تقتلعك بنغماتها من عالمك لترحل بك بعيدا عن صخب الحياة.

بعد فشل محاولاتي المرات السابقة لحضور المهرجان لتزامنه غالبا مع فترات الامتحان، قرّرت هذه السّنة أن أحضرعلى الأقل واحدة من حفلاته. وقع اختياري على واحدة من الفرق المشاركة، ليس لبراعة عازفيها، فأنا لا أعرفهم. و لكن لأن الحفلة ستقام في هواء طلق على أطلال احدى القلاع القديمة  في قمة جبل تطل منه على المدينة كلها. تخيّلت المنظر الجميل و صدى أنغام الساكسفون يملأ ذلك الفضاء، فزاد تصميمي على الذّهاب.

إتّصلت بصديقتي ، رفيقة جنوني،( شقيقتها نعتتنا بالمجانين عندما علمت بوجهتنا) فلم تتردّد لحظة واحدة . تفقّدنا توقّعات الأرصاد الجويّة لتلك الظهيرة قبل خروجنا. جوّ غائم وحرارة لن تتجاوز الخمس درجات رغم أننا في بداية فصل الرّبيع. لم نُعر هذه التنبؤات اهتماما خاصّة وأن السماء كانت صافية تنافس في زرقتها سماء يوم صيفي دافئ.

وصلنا نقطة الإنطلاق. كان علينا الصعود مسافة أربع كيلومترات للوصول الى قمة الجبل حيث الحفلة. قررنا أن نقطعها مشيا لانعدام وسائل النّقل العمومية ذلك اليوم و أيضا لقناعتي الشديدة بأن في المشي سبع فوائد :

  1. هو صحة للبدن: ينشط الدورة الدموية و يقوّي العضلات و …
  2. فيه رحمة بجيب طلبة العلم من أمثالنا
  3. يتيح لك قضاء وقت أطول مع رفيقك في المشوار دون أن يملّ أحدكما حديث الآخر (لأن نفسكما المقطوع من كثرة المشي يمنعكما عن الكلام)
  4. تقابل أشخاصا عديدين في طريقك (و معظمهم من الرياضيين الذين يقطعون ضعف المسافة ركضا و في نصف المدة )
  5. تضيف للائحة أسباب مقاطعتك لأحذية الكعب العالي سببا جديدا
  6. تتخلّص من عقدة الذنب التي نشأت عندك منذ انقطاعك عن القيام بتمرينك الرياضي الأسبوعي
  7. عند عودتك للمنزل مساء، تغطّ في نوم عميق بمجرّد أن تضع رأسك على الوسادة

مشينا إذا و كلما زاد توغّلنا في هذه الطّريق الجبلية زادت هي انحدارا و وعورة. بالكاد قطعنا نصف الطّريق حتى بدأت تمطر. صدقت التنبؤات الجوية اذا. استقبلنا هذه الزّخات بفرح طفولي و حثثنا السّير علّنا نجد ملاذا يقينا البلل.عند وصولنا الى القمة تبدّل المطر ثلجا و تكاثف سقوطه حتى صار ستارا أبيض يصل بين السّماء و الأرض . نظرت الى المدينة القابعة في خنوع عند قدمي الجبل يلفها في حنان نهر جار . تراءت لي كأنها عروس تتباهى بفستانها الأبيض تداعب الرّيح طيّاته.

سرحت للحظة أتأمّل جمالها متناسية الصّقيع و ثيابي المبلّلة بل و حتّى السبب الذي من أجله قطعت كل هذه المسافة: موسيقى الجاز!

كنا مستمتعتين صديقتي و أنا ، بهذه “النّزهة” . عجبت للسبب الذي دفعني للخروج هذا اليوم. هل هو فعلا حبي للجاز ما جعلني أبادل دفء المنزل بساعتين من المشي تحت المطر. أم هو الشعور بأني سأستحقّ فعلا كوب الشّاي السّاخن الذي سأشربه عند عودتي الى البيت.

طبعا الحفلة ألغيت بسبب سوء الأحوال الجويّة. اغتنمنا فرصة وجودنا هناك لحضور معرض صور كان مقاما في نفس المكان. بعدها عدنا أدراجنا نزولا أنا و صديقتي تستقبلنا المدينة بصخبها .

أما عن المهرجان فموعدنا السّنة القادمة …

2 responses to “في حبّ الفن…

  1. سعدت بزيارتي لمدونتك الجميلة بروحك
    ماأجمل الشخص ان يجن بشعور جميل سواء شعور حقيقي او خيالي
    تمنياتي لك بالتوفيق وان تحصلي على كنز قوس قوزح .
    أسيرة خيالي .

  2. أهلا بك يا “أسيرة الخيال”
    شكرا لتشجيعك، و أعدك حالما أعثر عليه أن ينالك من الحب جانب ; -)

اترك رداً على هند إلغاء الرد