بين القِمة و القُمة

عقدت صباح هذا اليوم بالكويت، أول قمة عربية اقتصادية. الحدث في حدّ ذاته سابقة ، فهاهم أولو أمورنا يقرّرون الإجتماع للنّظر في حال الضعفاء منّا ـ و غير الضعفاء ـ  علّهم يتّفقون ويعملون فيعُمّ الرّخاء الأفراد من أقصى “الوطن” لأقصاه.

لن أتطرّق للأبعاد السياسية و الاقتصادية لهذه القمة. فهذا أمر تتعرّض له وسائل الإعلام المختلفة و يُعلّق عليه أشخاص لهم من الرؤية و الخبرة ما لا أملك.

ما أود الاشارة إليه هو أمر لحظته أثناء متابعتي للبث المباشر للجلسة الإفتتاحية. فبينما بعض التدخّلات كانت قيّمة  من حيث المضمون و الأسلوب، هالني كمّ الأخطاء النحوية التي تضمّنها البعض الآخر.

فمن المتداخلين من اعتبر لقاء اليوم  قُمّة (بضم القاف) لرفع الغطاء عن المسكوت عنه و تسمية الأمور بمُسمّياتها، فانساق في حماسته  يرفع كلّ شيء: مجرورا كان أم مفعولا ..

فعلى سبيل المثال لا الحصر، رُدّدت جمل من قبيل : “تجاوزنا مرحلةُ الخلاف” ، “أصاب وحدة موقِفُنا ” ، ” من أطفالُنا و ..” ، “إنّ قطرةٌ واحدةٌ” ..

لست ضليعة بلغة الضاد و لا تمثني بسيبويه قرابة، غير أنني أذهل حين أتبيّن مقدار جهل البعض بأبسط قواعد اللغة، فيصبح  حديثهم حقيقة  نشازا  لا تحتمِلُه الأذن و يُفقِد اللغة كثيرا من جماليتها.  إن من واجب المتحدث ، أيّا كان، خاصة حين يتعلّق الأمر ـ كما هو الحال هنا ـ بلقاء على مستوى دولي ،أن يُجيد في خِطابه  احتراما للمُستمع و  لهويته و هذا أضعف الإيمان.

***********

و لعلّ نقطة البداية ، مشاهدة حلقات برنامج “المناهل”، الذي استقيت منه حبّي للغة وموسيقاها

مقدمة البرنامج

مغامرات أبي الحروف

الإعلان

أسطورة إيكاروس

icarusأسطورة إيكاروس

تحكي أسطورة يونانية  قصة “إيكاروس“، الذي كان محتجزا و أباه في متاهة جزيرة “كريت” عقابا لهما من “مينوس“، ملك الجزيرة.

للهرب من عقاب مينوس، استعان الإثنان بأجنحة ثبّتاها على ظهريهما بالشمع.

أثناء هروبه من منفاه المتاهة، حلّق الإبن إيكاروس قريبا من الشمس، متجاهلا نصيحة والده، فهوى صريعا بعد ان أذابت أشعة الشمس الشمع المثبّت لجناحيه.

من هذه الأسطورة استنبط عنوان الفيلم:  “ إ.. كإيكاروس

يقوم مدّع عام بالتحقيق في مقتل رئيس دولة، فيواجه الكثير من المصاعب ، حيث يتعرّض كلّ شهوده للقتل دون ان يتوصّل للجاني.

    I as in Icarus  فيلم للمخرج     r...1979 Henri Verneuil

I..As in Icarus  فيلم للمخرج  Henri Verneuil   سنة 1979

بغض النظر عن قصة الفيلم ، التي تجسّد حكمة الأسطورة ، في كون الإقتراب من الحقيقة (الممثّلة في  الشمس) يؤدي بصاحبه للهلاك، فإن الفيلم تطرّق أيضا  لواحدة من تجارب علم النفس التي قادها  ميليغرام مابين سنة 1960 و 1963 بجامعة ييل بالولايات المتحدة الأمريكية.

قام ميليغرام بدراسة اشكالية الطاعة عند الإنسان. إلى أي حد يمكن للإنسان أن  ينصاع لسلطة يثق في مشروعيتها، فينقاد في طاعة عمياء ،حتى عندما تتعارض مع مبادئه و مُثُله.

تتلخص التجربة في مراقبة ردّ فعل شخص يطلب منه أن يطرح مجموعة من الأسئلة على آخرـ متواطئ مع العالم ـ، و يوقع به عقوبة ـ صعقات كهربائية متفاوتة الشّدّة ـ عند كلّ إجابة خاطئة (التفاصيل)

الغالبية العظمى تنصاع لتعليمات العالم، و تستمر في التجربة رغم صرخات ألم المشارك الآخر.

في المقطع الأول يتعرف المشارك على قواعد “اللعبة”. المقطع الثاني يظهر أحد المشاركين و قد استمر في الإستجابة للتعليمات إلى نهاية التجربة.

بغض النظر عن نتائج هذه التجربة ، و ما أثارته من ردود فعل وقتها حولها ، فإنني أخلص للإنطباع التالي:

أمر مثير للفزع أن ترى إلى أي مدى يمكن للإنسان أن  يلغي عقله و ضميره  فينصاع للوحشية تحت ضغط أيّ من المسميات ( الطاعة للسلطة، تطبيق القانون…)، دون أي محاولة لإعتراض أو إحتجاج .

الاكيد انه عند مشاهدتي لرد فعل المشاركين في التجربة، أستنكر و أستهجن،  و أكاد أجزم أنني سأكون بالوعي الكافي لأرفض الانصياع لأوامر كتلك،  في حال كنت من المشاركين، لكن هل الأمر فعلا بهذن البساطة؟ لا أظنني أكثر رحمة أو انسانية  أو مثالية من أي من هؤلاء. فيالضعف النفس البشرية أمام مثيلتها ..

السيدا بعيون أخرى

sida006

600000 طفل مصاب بنقص المناعة المكتسبة يولد كل عام

sida0041

في خلال 20 سنة لن تكون هناك مجاعة في افريقيا

البطاقتان من تصميم وكالة  Grrrey الفرنسية الفائزة بمسابقة الإبداع المنظمة من طرف الرابطة الدولية للبطاقة الحرة  IFA و Cart’Com

المسابقة نظمت في إطار اليوم العالمي لمكافحة السيدا ، يعرض فيها المشاركون  رؤيتهم لهذا المرض

الهوة … شاسعة

مضى أكثر من شهر على تواجدي باليابان. لا أزال كل يوم أسعد باكتشاف ما يتميّز به هذا البلد و أهله من عادات و أحاول فكّ رموز لغة بعيدة كلّ البعد عن كل ما ألفته أذني من لغات و لهجات.

تأقلمي جاء سريعا [ كعادتي عند الحلول بمكان جديد] . حتّى انني لم أعد اندهش لرؤية سياّرات بدون سائق [ عندما كان يقع نظري على سيارة يتوقّع مركزي العصبي تواجد السائق جهة اليسار، بحكم التعود لكنه يفجئ حين يرى العكس …].أمّا جهلي التام باللّغة، فإنّه يجعل من أبسط الأمور امتحانا يوميا و اختبارا لمهاراتي “المعيشية”. فالتسوّق مثلا صار عمليّة استكشافية استدعي فيها كلّ حواسي [من شمّ و لمس و ..] للتكهّن بطبيعة المنتج ـ في حالة عدم وجود رسم أو صورة عى العلبة ـ الأمر بالنسبة لي مبعث للضحك في كثير من الأحيان…

لكن رغم كل هذا، هناك أمر واحد يشعرني بالإزعاج: إنه الإجتماع الأسبوعي لأعضاء الفريق الذي أعمل فيه.خلاله يعرض كل طالب نتائج أبحاثه و تُناقَش مع الأستاذ الحاضر. هذا الإجتماع الذي يدوم قرابة الساعتين، يدور كلّه باللغة اليابانية. ما يزعجني ليس فقط كوني كما اليتيم في دار العرس ـ رغم أنه منذ التحاقي بالفريق صارت جميع الرسوم و التوضيحات تدرج بالإنجليزية .. لأجل عيوني السّود… الأمر الذي يسهل علي كثيرا ادراك ما يدور … ـ لكن مصدر انزعاجي هو ادراكي في كلّ مرة لحجم الهوة بيننا كعالم ثالث [ربما نامٍ ، خاصة جزءه العربي] و بين أمة على صغرها و ما عرفه تاريخها الحديث من صعاب ، استطاعت الوصول إلى أقصى درجات التقدّم في عديد المجالات دون التّخلي عن لغتها و ثقافتها.

أمنيتي بأن أحضر يوما هكذا اجتماع يعقد باللغة العربية، يشارك فيه طلبة باحثون عرب يعرضون فيه نتائج أبحاثهم باللغة العربية و ينافسون بها غيرهم من الباحثين على صعيد دولي.

هذا ما يجول بذهني من أفكار على مدى ساعتين كل أسبوع. علّني بافراغ ما في جعبتي هنا أنتقل للتفكير في موضوع آخر الأسبوع المقبل…